بــــــــــــــــسم الله الرحـــــــــــــــمن الرحــــــــــــــيم
الله تبارك وتعالى أنعم على عباده بنِعَمٍ لا يحصيها إلا هو، فكان من تلك النعمِ اللسانُ، فإن الله جعل اللسان للإنسان ليعبر به عن حاجاته التي تهمه لتحصيل منافع ومصالح دينه ودنياه، هذا اللسان نعمة من الله تعالى على عباده ليحصلوا به مصالح دينهم ومصالح ءاخرتهم أي ليستعملوه فيما ينفعهم ولا يضرهم ،فمن استعمل هذا اللسان فيما ينفعه ولا يضره فليس عليه حرج وليس عليه مؤاخذة في الآخرة، وأما من استعمله فيما نهاه الله عنه فقد اهلك نفسه ولم يشكر ربه على هذه النعمة العظيمة .
فمن فكر في قول الله تعالى: {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} عَلِمَ أن كل ما يتكلم به في الجد أو الهزل أو في حال الرضى أو الغضب يسجله الملكان ، فهل يَسُرُّ العاقلَ أن يرى في كتابه حين يعرض عليه في القيامة كلمات خبيثة ؟ بل يسوؤه ذلك ويُحزِنُه حين لا ينفع الندم ، فليعتن بحفظ لسانه بما يسوؤه إذا عرض عليه في الآخرة .
إننا نقول سحافات كثيرة كثيرة جداً فقط لأننا تعودنا أن نتكلم وأن نقول !. كم هي كثيرة الكلمات، التي ننطقها ولا معنى لها ! إذا قدمونا إلى شخص ما، فلا بد أن نتكلم كثيراً لكي لا نُعتبر غير لبقين. فيبدأ الحديث كما يلي : ” يا له من نهار جميل؛ اليوم بارد “، - أو شيء آخر عن الطقس وهلم جرا. إن عادة التحدث عن أمور فارغة تتحول مع الوقت إلى حالة مَرَضية، بحيث أن الإنسان لن يهدأ ما لم يسبب الصداع للآخرين بمناقشته عن أشياء سخيفة. هو لن يتمكن من العيش من دون إرضاء هذه الرغبة الذاتية، إذ يصبح مولعاً بالكلام، بحيث أنه في يوم من الأيام قد يروي قصة حياته لشخص عابر، دون أن يعطيه فرصة ليقول كلمة واحدة، مع أن ذلك الشخص قد يكون منزعجاً جداً من تصرفنا، ويريد القول : ” وما علاقتي بكل هذا؟ ” كما أن الناس غالباً يتفوهون بأسرار ثم يندمون على فعلتهم.
و تحت سلطة هذا السحر أيضاً، قد يعبر الإنسان في حديثه عن اللامبالاة، الكبرياء، الموقف المسبق، ثم يشعر بالندم من جراء ذلك. هذا كله ينتج بسبب غياب الرقابة على الكلام. قد تكون الكلمة أحياناً أثمن من جميع كنوز العالم، وفي أحيان أخرى قد تتحول الكلمة إلى سيف،حيث قال الشاعر :
احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ * لا يلدغنَّك إنه ثُعبانُ
كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه * كانتْ تهابُ لقاءَه الشجعانُ
حيث أن هناك سبل مختلفة للإلهام، لكن أفضلها – الصمت.
بعد الصمت عن الكلام يتبع الصمت عن التفكير، أو صمت الأفكار. قد يجلس المرء أحياناً بلا حركة، دون أن يتكلم، لكن أفكاره تتوالى بلا انقطاع. ربما لا يرغب العقل بتلك الأفكار، لكنها تتوالى مع ذلك. إذ يتحول العقل بالنسبة إليها إلى صالة للرقص، حيث هي تتراقص وتتراقص بدون أي عائق. من الضروري أن تصبح فكرة ما ممتعة، هامة، بحيث تطرد الأفكار الأخرى.
عندما تهدأ الأفكار، يخيم السكون على المشاعر. يمكننا أن لا نقول أي شيء ضد أي شخص آخر، بل يمكننا أن لا نمتلك أية أفكار بشأنه؛ لكن إذا كانت توجد في قلبنا أدنى كراهية تجاهه، فإنه سيشعر بذلك. إنه سيشعر بالقسوة في ذلك القلب. نفس الشيء يحدث مع المحبة ومع التعلّق والميول.
المجرّد يعني أن يتواجد خلف حدود هذا العالم، حيث جميع أشكال الوجود تتوحد، حيث أنها كلها تلتقي مع بعضها البعض؛ وهذه الحالة التجريدية لها نغمتها الخاصة. عندما تهدأ تلك النغمة ويرتفع الإنسان فوقها، فإنه يبلغ أرفع حالة، النجاة، الخلود؛ لكن بالتأكيد، لكي يبلغ المرء هذه الحالة هو بحاجة للكثير من الجهد...